الأخبار المحلية

قبل أن تذهبوا…!!! بين التحليل العسكري وعبث “الخبراء”: دعوة لإعادة الاعتبار للمهنية والإعلام المسؤول

دكتور/ عبد المنعم المهل

● وسط مشهد الحرب السودانية المستمرة، يطفو على السطح مشهد إعلامي موازٍ لا يقل خطرًا في تأثيره وتضليله: محللون عسكريون يُقدَّمون بصفة “خبراء استراتيجيين”، بينما هم أبعد ما يكونون عن التحليل العلمي أو الاستراتيجي، بل في أحيان كثيرة يساهمون، بوعي أو دون وعي، في تكريس الجهل، وتزييف الوقائع، وإضعاف ثقة الشعب بجنوده ومؤسساته.
● لقد بات واضحًا أن التحليل العسكري في الإعلام السوداني يعاني من أزمة مزدوجة: أزمة كفاءة، وأزمة أخلاق مهنية.
● التحليل العسكري علم وفن. لا هو استعراض للعضلات اللفظية، ولا هو مساحة لسرد الأساطير والمغالطات. هو تحليل يقوم على: فهم العمليات العسكرية والاستراتيجيات، ربط الحراك الميداني بالسياق السياسي والدولي، استخدام أدوات تحليلية حقيقية مثل الخرائط والصور والبيانات وإيصال الفكرة بلغة مبسطة، جزلة، لا تضلل ولا تهول.
● لكن للأسف، ما نشاهده في بعض القنوات، لا يمت لهذا بأي صلة. فترى من يتحدث عن “الذكاء الاصطناعي الذي يغني مصريَا أو هنديًا”، أو يوزّع توقعات أقرب إلى المنامات منها للتحليل، وكل ذلك تحت مسمى “خبير استراتيجي”.
● إن كان الظهور الإعلامي من أجل المال أو الشهرة، فهذه كارثة. أما إذا كان من أجل خدمة المواطن وتنويره، فليكن التحليل قائمًا على دراية وتدريب. لا يعقل أن نُسمّي كل من لبس بزّة عسكرية “خبيرًا”، ولا كل من تحدث عن المعارك “استراتيجيًا”.
● بل إننا، بهذا الشكل، نُسهم في تشويه صورة الجندية السودانية، وفي تقديم وطننا مادة للسخرية، بدل أن نرفعه ونكشف مظلوميته.
● السودان لا يعاني من نقص في العقول العسكرية … نعم، السودان يزخر بكفاءات عسكرية وفكرية من الطراز الرفيع، لكن الكثير منها اختار الغياب عن المشهد لأسباب متعددة، في مقدمتها رفض تسييس التحليل، أو السقوط في فخ الظهور من أجل الظهور.
● نعم، هناك فرق بين من يزن كلماته بعناية ويقرأ الواقع بنظر استراتيجي واعٍ، مثل اللواء أمين المجذوب، وبين من يوزّع توقعات بلا أساس، أو يختلق معلومات لا أصل لها، كما يفعل البعض.
● لابد من التأهيل الإعلامي للمحللين العسكريين، لقد حان الوقت لفرض معايير واضحة ومهنية لمن يظهرون بصفة “خبراء”: دورات تحليل عسكري إعلامي معترف بها.
● لابد أن تكون لهم معرفة حقيقية بتطورات المشهد المحلي والدولي مع التزام أخلاقي ووطني بعدم تزييف وعي الناس أو المتاجرة بآلامهم.
● الحرب ليست مبررًا للفوضى الإعلامية، كلما استمرت الحرب، تكشّفت معها وجوهٌ تستثمر في معاناة الناس، وتنظّر لاستمرار الدمار باسم التحليل، بينما هي تكرّس الجهل والفرقة والعنصرية البغيضة.
إن الظهور الإعلامي مسؤولية وطنية كبرى. ومن لا يحسن تمثيل السودان في هذا الظرف الحرج، فليتنح، حفاظًا على كرامة الوطن واحترامًا لعقول الناس.
● أما العجب العجاب… فظهور مستشارين وناطقين باسم مليشيا الدعم السريع وحركات الارتزاق.
● السودان يستحق الأفضل ….. السودان لا تنقصه العقول، بل تنقصه المساحات الإعلامية التي تحترم الوعي. أما الفوضى الحالية، فهي لا تسيء فقط للمؤسسة العسكرية، بل للوطن بأكمله.
● إما أن نرتقي، أو نصمت. فلا الوطن يحتمل مزيدًا من العبث، ولا الشعب يتحمل مزيدًا من التضليل.

مرسال نيوز

تهدف مرسال نيوز إلى أن تكون الخيار الأول للقراء الذين يبحثون عن الأخبار الصحيحة والشاملة. تسعى المنصة إلى تقديم محتوى غني بالمعلومات يغطي مختلف المجالات مثل السياسة، الاقتصاد، الثقافة، والرياضة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى