قبل أن تذهبوا…!!!شمس الثوره تقترب من الشروق مجددا والسودان يستحق السلام
د.عبدالمنعم المهل

د.عبدالمنعم المهل
■ رغم الحرب المدمرة التي أكلت الأخضر واليابس، ورغم محاولات التزييف والتشويه التي لحقت بثورة ديسمبر المجيدة، تتبدى اليوم مؤشرات على انكشاف الغبار، وتميّز الخيط الأبيض من الأسود، وانبعاث الأمل من تحت الركام.
■ فالثورة التي خرج من رحمها الملايين مطالبين بالحرية والسلام والعدالة، لم تكن لحظة عابرة، ولا موجة عاطفية كما أراد أن يصورها أعداؤها بل إنها محطة تاريخية مفصلية في مسيرة الشعب السوداني، وشهادة حية على توقه الدائم للكرامة والانعتاق من أنظمة القمع والاستبداد.
■ على مدى شهور عملت آلة الدعاية المضادة على تشويه تاريخ الثورة، وشيطنة رموزها، والتشكيك في أهدافها، وقد انطلت هذه المحاولات على بعض من ضلوا الطريق أو ضاق أفقهم، لكن لم تمضِ تلك السرديات طويلًا حتى بدأت تتهاوى أمام واقع دموي صارخ، فرضته حرب عبثية لا منتصر فيها.
■ لم تكن هذه الحرب، كما زعم من أجل إنقاذ البلاد أو حماية السيادة، بل كانت في جوهرها حربًا على الذاكرة الجماعية، وعلى حلم التغيير الذي وحد السودانيين في الميادين، ذات صباح مشرق، حين هتفوا: “ولا السجن ولا السجّان باقي”.
■ نعم، أخطأت حكومة ما بعد الثورة في بعض قراراتها، وأفرطت في المجاملات، وغابت عنها الحسم في مواقف حاسمة لكنها، رغم كل شيء لم تخن روح الثورة، ولم تتآمر على الناس أو تفرط في البلاد كما فعل من جاء بعدها عبر فوهات البنادق.
■ اليوم بعد أن خسر دعاة الحرب رهاناتهم، وبدأت سفنهم تغرق في بحور الدماء والدمار، يقف كثيرون على الضفة الأخرى، باحثين عن طوق نجاة. ومنهم من كان بالأمس يصف دعاة السلام بالخونة والضعفاء.
■ من يدفع الفاتورة ؟؟ بين نازحين في أطراف البلاد، وقتلى على امتداد الجبهات، ومن ماتوا بسبب الجوع أو المرض أو غياب العلاج، تتكشف الكارثة الحقيقية: شعب يدفع ثمن نزوات نخبة سياسية وعسكرية، جعلت من الحرب وسيلة لتمديد النفوذ، دون اعتبار لحجم الخراب الذي خلّفته.
■ من يتحمل مسؤولية تهجير الملايين؟ من يعوض دمار البنية التحتية؟ من يعيد للبلاد مدارسها ومستشفياتها ومصانعها؟ إنها أسئلة حارقة يجب أن تُطرح اليوم، لا غدًا.
بعد أن تغادروا:
■ إن الذين حملوا رايات السلام، وظلوا يدعون لإيقاف الحرب رغم الشتائم والتخوين، كانوا الأصدق والأنضج وطنيًا، فالسلام ليس ضعفًا، بل هو أعلى مراتب الشجاعة، والسودان بكل تنوعه وتاريخه وموارده، لا يستحق أن يكون ساحةً لصراع دائم.
■ الرسالة الآن يجب أن تُوجَّه بوضوح إلى قادة الجيش وكل من يملكون زمام القرار:
إذا كنتم تعلمون حقًا حجم الضرر، فاستجيبوا لنداء الوطن… أوقفوا الحرب.
■ فشمس الثورة، التي أشرقت في ديسمبر، لم تغب… بل أُخفيت خلف دخان البنادق. لكنها اليوم تقترب من الشروق من جديد.