قبل أن تذهبوا…!! ما بين المناصب الدستورية وهيمنة العسكر واستمرار الحرب.. إلى أين يمضي السودان؟
د.عبد المنعم المهل

– في بورتسودان، تتقاطع المصالح وتتزاحم القوى على استقدام شخصيات مدنية، يُقال إنها “لإصلاح الحال”، بينما الواقع يزداد سوءاً، وتكثر الأحاديث عن تعيين كامل إدريس رئيساً لمجلس الوزراء، وكأن مجرد الاسم يكفي لإنقاذ البلاد من أزماتها.
– فهل السودان اليوم بحاجة لرئيس وزراء في ظل سيطرة عسكرية محضة منذ انقلاب 25 أكتوبر؟ أم أنه سيكون مجرد واجهة تُدار عن بُعد.
– المشهد المعقد لا يسمح لأحد، مهما كانت كفاءته، أن ينتشل البلاد وحده نحو الاستقرار، ما لم تُوقف الحرب أولاً، ويتم التوصل لاتفاق جدة المنتظر، والذي أصبح مطلباً إقليمياً ودولياً وشعبياً ملحّاً.
– فبغير ذلك، سيبقى الحلم بمؤسسات مدنية حقيقية مجرد وهم.
– تعيين كامل إدريس في ظل هذا الانقسام لا يُبشّر بالتغيير، بل بالتخبط. فالمناخ العام غير مهيأ، والصراع بين المستفيدين من الحرب مستمر. وإن تعيينه، قد يعقبه إقالات بالجملة، تشمل وزراء بارزين كجبريل إبراهيم، أحد مهندسي انقلاب 25 أكتوبر، ما سيؤدي إلى توترات داخل دوائر النفوذ والمصالح.
– قرار البرهان بإنهاء تكليف أعضاء مجلس السيادة المدنيين بالإشراف على الوزارات لا يمس بشكل مباشر العسكريين، لأنهم أصلًا يملكون أدوات السلطة التنفيذية والأمنية فعليًا.
– يمتد تأثير قرار البرهان ليصل إلى المشهدين الإقليمي والدولي، إذ يأتي في وقت تتكثف فيه الضغوط من بعض الفاعلين الدوليين والإقليميين لدفع العملية السياسية نحو تسوية تُعيد ترتيب السلطة في السودان. غير أن القيادة العسكرية تُظهر بقرارات كهذه أنها تمضي في مسار معاكس، قائم على فرض الأمر الواقع بدل التفاوض على تسوية شاملة.
– إقليمياً، قد تجد السلطة العسكرية في حلفاء مثل بعض دول الجوار أو القوى الإقليمية التي تفضل “الاستقرار الأمني” على التحول الديمقراطي سنداً سياسياً، مما يشجع على مزيد من الخطوات الأحادية. أما دولياً، فإن المجتمع الدولي، رغم إداناته المتكررة، لم يُظهر إرادة حقيقية لفرض كلفة على السلوك العسكري، ما يُضعف من أثر الضغوط ويُساهم في تعميق الإنسداد.
– في المحصلة، فإن قرار البرهان ليس مجرد خطوة إدارية، بل هو مؤشر عميق على طبيعة النظام الذي يتشكل، نظام أحادي لا يعترف بشراكة ولا مدنية، ويُعيد إنتاج دولة ما قبل الثورة بوسائل جديدة.
– ومع استمرار هذا المسار، يصبح الحديث عن الانتقال الديمقراطي أكثر بعداً عن الواقع، وأكثر اقتراناً بتوازنات القوى لا بالمواثيق السياسية.
– فإذا كان البرهان يرغب فعلاً في تصحيح أخطاء الانقلاب، فعليه أولاً إيقاف الحرب، ثم الانخراط في تسوية سياسية شاملة وعادلة، لا تُقصي أحداً ولا تُخضع الوطن لطموحات أفراد أو جماعات.
بعد أن تغادروا…
– السودان اليوم لا يحتاج إلى تغييرات شكلية، بل إلى قرارات جريئة ومخلصة تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
– فهل يُعقل أن تُختزل أزماتنا في أسماء المناصب بينما يُقتل الناس، ويُهجّر الأبرياء، وتُنهب موارد البلاد.
– لكل من يظن أن تعيين كامل إدريس سيحقق التغيير: تذكّروا أن التغيير الحقيقي لا يأتي بأسماء، بل بمنظومة وطنية تُعيد العسكر إلى ثكناتهم، وتُعيد الدولة إلى شعبها.
– السودان وطن العزة والكرامة.. ولا يستحق إلا السلام والعدالة والاستقرار.