
قبل أن تذهبوا…!!
العُرَفيون الجدد.. بين الجهل بالسياق والدعوة للدمار
د.عبدالمنعم المهل
● في كل موسم انتخابي، يطفو على السطح مصطلح “العُرَفيين”، أولئك الذين تُناط بهم مهام التحقق من الناخبين ومنع التزوير، فإنها وظيفة مؤقتة، غالبًا ما تُستدعى وقت الحاجة وتُنسى بعدها.
● ولكن في المشهد السوداني اليوم، برز نوع جديد من “العُرَفيين”، لا يمارسون عملهم في المراكز الانتخابية، بل اتخذوا من وسائل التواصل الاجتماعي منصة ومنبرًا دائمًا بل هم أولئك الذين ينصبون أنفسهم حكامًا على النوايا، ومُفتين على المواقف، وحراسًا على الآراء.
● ما يُثير القلق في هؤلاء أن معظمهم لا يملك من المعرفة شيئًا. يردون على كل منشور وكأنهم يملكون الحقيقة المطلقة، لكنهم في الواقع لا يفقهون السياق، ولا يدركون خطورة الكلام في زمن الحرب والدمار.
● البعض يهاجم الدعوات للسلام على أنها “خيانة”، ويُمارس ضغطًا نفسيًا ومجتمعيًا ضد كل صوت يدعو للاستقرار وكأن العنف هو الطريق الوحيد.
● حين يُنادي بعض الوطنيين للصلح والمصالحة، يواجهون سؤالًا مريبًا: “مع منو؟”، وكأن السلام لا يُطلب إلا وفق اصطفاف سياسي.
● هل نسي هؤلاء من مكّن قوات الدعم السريع من السيطرة على العاصمة؟ أم لم يسمعوا من قال إن هذه القوات خرجت من رحم القوات المسلحة نفسها؟ لماذا يتناسون الحقائق؟ ومن أين يستمدون هذه الجُرأة على القفز فوق التاريخ.
● من المؤسف أن كثيرًا من هؤلاء “العُرَفيين الجدد” لا يعرفون متى نشأ مصطلح “الإسلام السياسي”، ولا من أطلقه، ولا كيف تم توظيفه في تاريخ السودان الحديث. فهم لا يبحثون، بل يكررون ما يُملى عليهم، مُساهمين بذلك في نشر الجهل والانقسام بدلاً من المعرفة والوعي.
● ولعل أحد أبرز مظاهر الانزلاق في هذا المشهد، هو تحوّل الإعلام الرياضي، الذي لطالما كان مساحة للتقارب والتآخي، إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية ونشر خطاب الكراهية.
● أصبحنا نسمع تصريحات وتحليلات سياسية مقنّعة داخل برامج رياضية، مما يُعمق الشرخ المجتمعي ويُفقد الإعلام رسالته النبيلة.
● مصطلح “الحرب المنسية” لم يُطلق عبثًا. إنها الحرب التي يستمر البعض في تجاهلها أو تبريرها بدافع المكاسب أو الاصطفاف.
● وبينما يزداد الموت، ويتفشّى المرض، وتتمدّد المعاناة من ولاية إلى أخرى، نجد من يرفع شعارات الحرب كأنها انتصار، وينسى أن كل ضحية تُسقط هذه الشعارات إلى الحضيض.
بعد أن تغادروا:
● يا من تصدّون الناس عن السلام، راجعوا ضمائركم. السلام لا يعني الانحياز، بل هو واجب وطني وإنساني وأخلاقي. الدعوة للحرب، دون تبصّر أو وعي، جريمة في حق الوطن والمواطن.
● السودان لا يُنسى، ولن ينسى من خذله أو سعى إلى تدميره…السودان يستحق أن يعود أقوى، وأفضل، وأكرم مما كان.
● فدعونا نُعيد إليه مجده بالسلام، لا بالشعارات الجوفاء، ولا بتصفية الحسابات.
● فلنتذكّر جميعًا: لا وطن مع الحرب.. ولا مستقبل مع التشظي.